الأعمال المنزلية: عمل المرأة غير المأجور الذي يتجاوز قيمة قطاع التكنولوجيا بثلاثة أضعاف!

في كل يوم، تقضي النساء حول العالم ملايين الساعات في الأعمال المنزلية والرعائية دون مقابل مادي. بينما يُنظر إلى هذا العمل غالبًا كأمر “طبيعي” و”أنثوي”، فإن الحقيقة أن هذا الجهد غير المدفوع يضخ في الاقتصاد العالمي ما يعادل ثلاثة أضعاف قيمة قطاع التكنولوجيا، في حين يظل مهمشًا وغير معترف به في الحسابات الاقتصادية الرسمية.

الأعمال المنزلية: عمل غير مأجور لأنه 'أنثوي'

العمل المنزلي غير المأجور: جهد يُصنّف كـ”لا عمل

تتحمل النساء العبء الأكبر من الأعمال المنزلية والرعائية، مثل التنظيف، الطهي، رعاية الأطفال والمسنين، والإشراف على الحياة اليومية للأسرة. ورغم أن هذه المهام تُعتبر أساسية لاستمرارية الحياة الاجتماعية والاقتصادية، إلا أنها لا تُحتسب ضمن الناتج المحلي الإجمالي ولا يعطى راتب مقابلها. بل يُنظر إليها كمجرد “واجب منزلي” أو عمل نابع من الحب والعاطفة.

حجم الظاهرة بالأرقام

تشير الإحصاءات إلى أن النساء في جميع أنحاء العالم يقضين بين 3 إلى 6 ساعات يوميًا في أداء العمل غير المدفوع، بينما لا يقضي الرجال في المتوسط أكثر من ساعتين في اليوم على المهام ذاتها. وعند حساب مجموع هذه الساعات على مدار حياة المرأة النشطة، يتبين أنها تمضي ما بين 10 إلى 13 عامًا من عمرها في عمل غير مدفوع الأجر.

وفي بعض الدول، مثل الهند أو المغرب، يصل هذا المتوسط إلى أكثر من 6 ساعات يوميًا، ما يعادل قرابة 13 سنة كاملة من العمل المجاني على مدار الحياة. أما النساء المنخرطات في الاقتصاد غير الرسمي، فغالبًا ما يقمن بعمل يتجاوز 12 ساعة يوميًا، يُضاف إليه العمل المنزلي، ما يضاعف من إرهاقهن ويحدّ من فرصهن في الراحة أو المشاركة الاقتصادية الفعالة.

التكلفة الاقتصادية واللامرئية

يقدّر صندوق الأمم المتحدة للسكان أن العمل المنزلي غير المدفوع الذي تؤديه النساء يشكل ما يعادل ثلث الإنتاج الاقتصادي العالمي، لكن دون أن يُعترف به رسميًا. وتُظهر دراسات أخرى أن هذا العمل يُمثل دعامة أساسية لتمكين الرجال من الانخراط في سوق العمل وتحقيق الدخل، بينما تبقى النساء محصورات في دائرة مغلقة من الإرهاق والفقر.

الرجال يستفيدون من بيئة منزلية منظّمة وملائمة بفضل الجهد غير المرئي الذي تبذله النساء، ما يتيح لهم التفرغ للدراسة أو العمل المأجور، في حين تتضاءل فرص النساء في تحقيق استقلال مالي أو مهني.

الأعمال المنزلية: عمل لا يحميه القانون ولا السوق

تعاني النساء، سواء كنّ عاملات في المنازل أو زوجات وأمهات وبنات، من غياب الحماية القانونية والاجتماعية. فمعظم عاملات المنازل يعملن بشكل غير رسمي، بمهام غير محددة، دون عقود أو ضمان اجتماعي، وغالبًا بدون راحة أو وقت فراغ. وحتى داخل الأسرة، لا يُعترف بحق النساء في الحصول على مقابل أو تقدير عادل لجهودهن.

وتُعد الفكرة القائلة إن الطعام أو الإعالة العائلية هو “المقابل” لهذا العمل شكلًا من أشكال التسليع غير العادل، حيث يُنظر إلى النساء كخادمات طبيعيّات وليس كأفراد لهن حقوق اقتصادية واجتماعية.

جذور المشكلة: الرأسمالية والتمييز الجندري

بحسب العديد من المفكرين الاقتصاديين والنسويين مثل سيلفيا فيدرتشي (المصدر)، فإن الرأسمالية رسّخت استغلال النساء من خلال مسارين: أولًا، اعتبار العمل المنزلي وظيفة طبيعية نابعة من الأنثى؛ وثانيًا، تسويق هذا العمل كدليل على الحب والرعاية، مما أفرغ قيمته الاقتصادية بالكامل.

هذا العمل غير المدفوع يسهم في إنتاج “فائض قيمة” يستفيد منه المجتمع والرجال تحديدًا، بينما يحرم النساء من الاستقلال المالي، ويزيد من تأنيث الفقر، أي جعل الفقر سمة مرتبطة بالمرأة بفعل عوامل هيكلية وثقافية.

التحديات والعقبات

  • انعدام الاعتراف الرسمي: لا تُدرج مساهمات النساء في العمل المنزلي غير المدفوع ضمن الناتج المحلي.
  • الإرهاق النفسي والجسدي: الأعباء المتعددة تؤدي إلى التوتر المزمن ومشكلات صحية.
  • انعدام الحماية القانونية: لا يوجد إطار قانوني يحمي النساء في هذا النوع من العمل.
  • ضعف الوصول للخدمات: مثل التأمين الصحي والتقاعد.
  • التهميش في سوق العمل: بسبب الوقت المستنزف في العمل المنزلي، تنخفض فرص النساء في الوظائف الجيدة.

أثر العمل المنزلي غير المدفوع على التنمية المستدامة

رغم غياب الاعتراف الرسمي، فإن العمل غير المدفوع الذي تؤديه النساء له آثار إيجابية على استقرار المجتمع والأسرة:

  • تعزيز الأمن الغذائي: من خلال الزراعة المنزلية أو إدارة المطبخ.
  • خفض تكاليف المعيشة: عبر توفير خدمات الرعاية داخل الأسرة.
  • تقوية رأس المال الاجتماعي: مثل بناء العلاقات، المهارات التربوية، ونقل المعارف.
  • إدامة النمو المجتمعي: إذ يشكل هذا العمل ركيزة للاستقرار الأسري والاجتماعي، لكنه يظل هشًا من حيث الحماية والدعم.

مقترحات وتوصيات للتغيير

التحديالمقترح
تجاهل العمل غير المدفوع في السياسات العامةإدراجه في الحسابات الاقتصادية الرسمية مثل الناتج المحلي الإجمالي
غياب القوانين الحاميةسن تشريعات لضمان حقوق النساء العاملات في المنازل والرعاية
ضعف التقدير الاجتماعيإطلاق حملات توعية لإعادة الاعتبار لهذا العمل
تقييد النساء في أدوار تقليديةتوفير خدمات مثل رعاية الأطفال ودور المسنين لتخفيف العبء
نقص البيانات والإحصاءاتإجراء دراسات دورية لقياس القيمة الحقيقية للعمل المنزلي

وفي الختام

قالت ماجدالينا سيبولفيدا، المقررة الخاصة للأمم المتحدة: “أدعو الدول إلى الاعتراف بالرعاية غير مدفوعة الأجر باعتبارها قضية رئيسية من قضايا حقوق الإنسان… فهي أساس كل مجتمعاتنا”.

إن إعادة الاعتبار للعمل غير المدفوع الذي تقوم به النساء، والاعتراف به اقتصاديًا وسياسيًا واجتماعيًا، هو خطوة لا غنى عنها في طريق العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة.