لغة الذكاء اصطناعي الجديدة: جيبيرلينك لغة لا يفهمها البشر

في عالم الذكاء الاصطناعي المتسارع، تظهر تقنيات متقدمة باستمرار، تهدف بعضها إلى تسهيل التواصل بين الإنسان والآلة، فيما تطرح أخرى تحديات أخلاقية وأمنية. “جيبيرلينك” هي لغة الذكاء الاصطناعي الجديدة، لايستطيع البشر فهمها. وهي من الابتكارات المثيرة للجدل. فهي تقنية تتيح لوكلاء الذكاء الاصطناعي التفاعل فيما بينهم باستخدام لغة لا يفهمها البشر، ما أثار موجة من القلق في الأوساط البحثية والتقنية.

فما هي هذه لغو الذكاء الاصطناعي “جيبيرلينك”؟ ولماذا تثير مخاوف متزايدة بشأن الشفافية والتحكم البشري في أنظمة الذكاء الاصطناعي؟

"جيبيرلينك": لغة للذكاء اصطناعي لا يفهمها البشر

ما هي لغة الذكاء الاصطناعي الجديدة: “جيبيرلينك”؟

انتشرت في وقت سابق من هذا العام لقطات مصورة عبر “يوتيوب” تُظهر تجربة واقعية لوكلاء ذكاء اصطناعي من شركة “إليفن لابس” (ElevenLabs) يتحدثون فيما بينهم بشأن حجز فندقي. بدأ الحوار بصيغة طبيعية باستخدام اللغة الإنجليزية. لكن ما لبث أن تحوّل إلى لغة غريبة وغير مفهومة، بعدما أدرك الطرفان أنهما ليسا بشرًا بل وكلاء ذكاء اصطناعي.

جيبيرلينك” هي “اللغة الاصطناعية” صممها خبراء الذكاء الاصطناعي لتكون أكثر كفاءة في التواصل بين الأنظمة الذكية، لكنها غير قابلة للفهم البشري دون أدوات تحليل متقدمة. وتستند التقنية إلى بروتوكول يُدعى “جي جي ويف” (GGWave)، وهو معيار مفتوح المصدر يعتمد على الإشارات الصوتية لنقل البيانات بسرعة تفوق المحادثات التقليدية بنسبة تصل إلى 80 %

ورغم أن البشر يمكنهم سماع الأصوات التي تنتجها هذه اللغة، فإنهم غير قادرين على تفسيرها أو استخراج معناها بدون تقنيات متخصصة. وتسمح هذه اللغة للآلات بتبادل المعلومات بكفاءة أعلى، وباستخدام موارد حسابية أقل، إذ تستغني عن تعقيدات فهم اللغة الطبيعية.

من يقف وراء لغة الجديدة “جيبيرلينك”؟

المشروع هو ثمرة تعاون بين المهندسين بوريس ستاركوف وأنتون بيدكويكو من شركة ميتا (Meta). وقد استُخدمت فيه نماذج من شركات بارزة مثل “أوبن إيه آي” و”إليفن لابس”. يهدف المشروع إلى تعزيز تفاعل الأنظمة الذكية عبر بروتوكولات متخصصة تسمح للروبوتات باكتشاف بعضها بعضا. ومن ثم التحوّل إلى نمط تواصل فائق السرعة يعتمد على الإشارات الصوتية المضغوطة.

يتميز “جيبيرلينك” هو عدم حاجته إلى وحدات معالجة رسوميات (GPU). إذ يكفي استخدام المعالج المركزي (CPU) لمعالجة وفهم البيانات المتبادلة، مما يجعله أكثر كفاءة من ناحية الطاقة والتكلفة.

تطبيقات لغة الذكاء الاصطناعي “جيبيرلينك”

للغة “جيبيرلينك” إمكانات واسعة في العديد من المجالات، من أبرزها:

  • خدمة العملاء: يمكن استخدام وكلاء ذكاء اصطناعي للتعامل مع استفسارات العملاء وتنسيق الردود فيما بينهم دون تدخل بشري.
  • السيارات الذاتية القيادة: يمكن للمركبات تبادل المعلومات حول حالة المرور أو العقبات بشكل فوري، مما يحسّن الأمان وكفاءة الملاحة.
  • الروبوتات الصناعية: يمكن للمعدات في خطوط الإنتاج مزامنة حركتها تلقائيًا، مما يرفع من الإنتاجية ويقلل من الأخطاء.
  • الأجهزة المنزلية الذكية: مثل المساعدات الصوتية والثلاجات الذكية التي قد تتواصل مباشرة مع بعضها لتنسيق المهام.

لماذا تثير “جيبيرلينك” القلق؟

رغم فوز المشروع بالجائزة الكبرى في فعالية “هاكاثون إليفن لابس” العالمية، إلا أن المخاوف لم تهدأ. السبب الجوهري يكمن في قدرة أنظمة الذكاء الاصطناعي على تطوير لغات لا يفهمها البشر. مما يهدد الشفافية والمساءلة، ويطرح أسئلة عميقة حول مستقبل العلاقة بين الإنسان والآلة.

وتعيد هذه الظاهرة إلى الأذهان تجربة جرت في عام 2017. حينما أوقفت “فيسبوك” مشروعًا ذكائيًا بعد أن طوّر وكلاؤه لغة خاصة غير مفهومة. الآن، ومع “جيبيرلينك”، يعود الخوف من إمكانية اتخاذ أنظمة الذكاء الاصطناعي قرارات حاسمة دون أن يتمكن الإنسان من متابعتها أو حتى فهمها.

يحذرنا خبراء الأمن السيبراني من أن تقنيات مثل “جيبيرلينك” ستسغل في نقل بيانات سرية أو شيفرات خبيثة بين الأجهزة دون أن تكتشفها أدوات الرقابة التقليدية. مما يفتح الباب أمام استخدامات ضارة تشمل التجسس، التلاعب بالمعلومات، أو حتى الهجمات الإلكترونية المعقدة.

وجهات نظر متباينة

تتباين الآراء حول هذه التقنية، فالبعض يرى أن تطوير لغات خاصة بين الآلات. توفّر كفاءة غير مسبوقة ويقلل الاعتماد على البنية اللغوية البشرية المعقدة. بينما يخشى آخرون من انعدام الشفافية، ويطالبون بفرض قيود صارمة تمنع تطور وسائل تواصل لا يمكن للبشر فهمها أو مراقبتها.

من جهة أخرى، يدعو البعض إلى تبني مقاربة وسطية. تقوم على تطوير هذه التقنيات ضمن إطار منظم يخضع للرقابة والشفافية. ويمنح البشر القدرة على التحكم بمسار تطورها دون إعاقة الابتكار.

إلى أين يتجه مستقبل “جيبيرلينك”؟

مع تصاعد موجة التحول الرقمي، تتجه الشركات الكبرى نحو استبدال موظفي الدعم البشري بوكلاء ذكاء اصطناعي صوتيين قادرين على إجراء المكالمات، وفهم الطلبات، وحتى التفاوض على الأسعار. تخيل أن يصبح لدينا مساعد شخصي آلي يتصل بالشركات ويتحدث مع أنظمتها الذكية بلغتها الخاصة؛ دون أن نعرف بالضبط ما الذي يوقم بإرساله.

في نهاية المطاف، يطرح مشروع “جيبيرلينك” سؤالًا جوهريًا: هل يمكن أن نثق بآلات لا نفهم لغتها؟ وما الخط الفاصل بين تسريع التقدم التكنولوجي… وفقدان السيطرة عليه؟