التكنولوجيا المحرمة: ابتكارات على هامش السيطرة

في عالم يتسارع فيه الابتكار وتطغى فيه التكنولوجيا على تفاصيل الحياة اليومية، تبرز من بين الظلال نظريات وأحاديث حول “التكنولوجيا المحرمة”. ما هي؟ هي ابتكارات تقنية قُمعت أو أُخفيت عن الجمهور. تبدو هذه الفكرة للوهلة الأولى من نسج الخيال أو دراما المؤامرات، لكنها تثير تساؤلات حقيقية عن العلاقة بين التقدم التكنولوجي والسلطة، وعن الحدود التي قد ترسمها المصالح الاقتصادية أو السياسية في وجه التطور.

ما المقصود بـ ‘التكنولوجيا المحرمة’؟

يشير هذا المفهوم إلى اختراعات أو اكتشافات تم تجاهلها أو منعها من الوصول إلى العامة لأسباب قد تتعلق بأجندات خفية: حماية الاقتصاد التقليدي، الحفاظ على السيطرة الجيوسياسية، أو حتى تجنب زعزعة التوازن الاجتماعي.

التكنولوجيا المحرمة

أمثلة شهيرة لتكنولوجيا محرمة

الطاقة الحرة لنيكولا تسلا

ربما يكون تسلا هو الشخصية الأكثر ارتباطًا بفكرة “التكنولوجيا المحرمة”. كان يعتقد بإمكانية توليد طاقة لاسلكية حرة وغير محدودة من الغلاف الجوي من خلال مشاريع مثل ‘برج واردنكليف’

كان تيسلا يؤمن بإمكانية نقل الطاقة الكهربائية لاسلكيًا إلى أي مكان في العالم، مما يتيح توفير الكهرباء مجانًا للجميع. في سبيل تحقيق هذه الرؤية، بدأ تيسلا في بناء برج واردنكليف في نيويورك عام 1901، والذي كان يهدف إلى نقل الطاقة لاسلكيًا عبر الغلاف الجوي. إلا أنه واجه تسلا صعوبات مالية، خاصة بعد انسحاب المستثمر الرئيسي، جي بي مورغان، الذي لم يرَ فائدة تجارية في توفير الكهرباء مجانًا.

بسبب نقص التمويل، لم يكتمل بناء البرج، وتوقف المشروع، مما أدى إلى تراجع حلم تيسلا في توفير الكهرباء المجانية. على الرغم من فشل المشروع، ظل تيسلا أشهر الرواد في مجال نقل الطاقة اللاسلكية، وتُعد أفكاره مصدر إلهام للعديد من التطورات التكنولوجية الحديثة.

السيارات التي تعمل بالماء: قضية ستانلي ماير

في ليلة باردة من مارس 1998، خرج ستانلي ماير هارعاً فازعاً من مطعم في غروف سيتي، أوهايو، وهو يمسك بحلقه. يلهث لالتقاط أنفاسه، فتعثر في موقف السيارات وانهار. هرع شقيقه، ستيفن، إلى جانبه. فخرجت كلمات أخيرة من فمه ظلت تتردد إلى الآن في دوائر المؤامرة ومنتديات الطاقة البديلة: «لقد سمموني!»

لم يكن ستانلي ماير فيزيائياً أو مهندساً بتخصصه، ومع ذلك ادعى اكتشافه شيئاًِ قد يُغير العالم: جهازاً يُحلل الماء إلى هيدروجين وأكسجين بكفاءة كافية لتشغيل سيارة باستخدام الماء فقط. بدون بنزين، بدون زيت، وبدون انبعاثات، فقط ماء. لا صيانة، ولا تكاليف خيالية، فقط ماء.

أطلق عليها ماير اسم “خلية وقود الماء”، وعرض عربة رملية يُزعم أنها تعمل بالكامل بالماء. أثارت ادعاءاته الاهتمام والتشكيك. أشار العلماء إلى أن اختراعه يتحدى قوانين الديناميكا الحرارية. لكن ماير أصر على نجاحه. حصل على براءات اختراع، وظهر على التلفزيون، ولفت انتباه المستثمرين. حتى البنتاغون أبدى اهتماماً به بحسب التقارير.

رغم الغموض الذي يلف وفاته، لم يتمكن أحد من إعادة إنتاج اختراعه بنجاح. ومع ذلك، فإن صناعة الطاقة تتعامل فعلاً بحذر شديد مع الابتكارات التي قد تعني ثورة راديكالية. فاختراع ماير، إن كان حقيقة، فأنه سيهدد صناعة النفط العالمية.

 HAARP والتحكم في المناخ

مشروع “هارب” (HAARP) هو برنامج بحثي أمريكي يُعرف باسم “برنامج الشفق القطبي النشط عالي التردد”، أُسس في تسعينيات القرن الماضي في منشآت عسكرية بجاكونا، ألاسكا، بتمويل من القوات الجوية والبحرية الأمريكية، بالتعاون مع جامعة ألاسكا ومؤسسات بحثية أخرى.

في عام 2015، أُعلن عن إغلاق المشروع من قبل القوات الجوية الأمريكية، وتم تسليمه إلى جامعة ألاسكا فيربانكس، حيث يُستخدم حاليًا لأغراض البحث العلمي.

أثار “هارب” العديد من نظريات المؤامرة التي تزعم قدرته على التحكم في الطقس أو التسبب في كوارث طبيعية. حسب المصادر الرسمية، فهو مشروع يهدف إلى دراسة طبقة الأيونوسفير، وهي طبقة مشحونة كهربائيًا تقع بين 50 و1000 كيلومتر فوق سطح الأرض، تلعب دورًا مهمًا في الاتصالات اللاسلكية ونقل الموجات الراديوية.

يضم المشروع 180 هوائيًا موزعين على مساحة 14 هكتارًا، تُستخدم لإرسال موجات راديوية عالية التردد نحو الأيونوسفير. ويحتوي على مرافق متطورة تشمل مركز عمليات، محطة طاقة بقدرة 12 ميغاوات، وأدوات لقياس التغيرات في الغلاف الأيوني.

ولكن HAARP كان تحت إدارة الجيش الأمريكي في بدايته، وهذا وحده يثير تساؤلات عن نوايا الاستخدام المستقبلي. وفي الماضي، شاهدنا كيف بدأت تقنيات بسيطة (مثل الرادار أو الأقمار الصناعية) لأغراض علمية ثم طُورت لأغراض عسكرية.

إلا أن ما يثير الريبة حقا هو أن هذا المشروع مرتبط ببراءة برناد إيستلوند.

من هو برنارد إيستلوند (Bernard Eastlund)؟

برنارد إيستلوند كان عالم فيزياء أمريكي، وحاصل على دكتوراه من معهد MIT، وعمل في مجالات متعددة منها الطاقة والبلازما والتكنولوجيا العسكرية.

في عام 1987، سجّل براءة اختراع تحمل رقم US Patent 4,686,605 بعنوان:

طريقة وجهاز لتغيير منطقة من الغلاف الجوي، الأيونوسفير، أو طبقة الماجنيتوسفير
“Method and apparatus for altering a region in the earth’s atmosphere, ionosphere, and/or magnetosphere”

ماذا تقول هذه البراءة؟

تلخّص البراءة فكرة استخدام موجات كهرومغناطيسية عالية التردد (High Frequency EM waves) لبث طاقة نحو طبقات الجو العليا (الأيونوسفير)، بهدف:

  • رفع حرارة منطقة محددة من الأيونوسفير.
  • خلق “فقاعة” من البلازما يمكن أن تؤثر على الاتصالات أو توجيه موجات الراديو.
  • التلاعب بسلوك الجسيمات المشحونة.

وفي بعض النصوص المرافقة للبراءة، تُذكر تطبيقات تشبه الخيال العلمي مثل:

  • تعطيل الاتصالات اللاسلكية في مناطق معينة.
  • التأثير على الطقس أو “نقل” الطاقة من موقع إلى آخر.

ما علاقتها ب’HAARP‘؟

  • يُقال إن هذه البراءة استخدمت كمرجعية أو أساس لمشروع HAARP (رغم أن الحكومة الأمريكية لا تعترف رسميًا بذلك
  • كثير من الباحثين المستقلين أو المهتمين بنظريات HAARP يستدلون بها للقول إن المشروع ليس “مجرد بحث علمي”، بل قد يكون له أبعاد عسكرية أو بيئية سرية.
  • حتى إيستلوند نفسه، في مقابلات لاحقة، ألمح إلى أن فكرته نُفذت أو استُفادت منها بعض الجهات، لكنه لم يعترف بشكل مباشر أنها هي HAARP

وبالتالي البراءة تُثبت أن الفكرة كانت موجودة ومُصمّمة بغرض ‘التأثير الجوي’ وتُظهر أن الموضوع ليس “خيالًا مطلقًا”، بل هناك تفكير علمي فيه، حتى لو لم ينجح عمليًا أو لم يُطبّق علنًا.

العلاجات المقموعة: الطب البديل والسرطان

قصص كثيرة تتحدث عن باحثين توصلوا إلى علاجات ثورية لأمراض مثل السرطان، ثم اختفوا من المشهد، أو لم تُعطَ ابتكاراتهم الاهتمام المطلوب من الأوساط الطبية. فشركات الأدوية تعرقل هذه الابتكارات لأنها تهدد نموذج الربح القائم على “العلاج المستمر”.

فليس سرًا أن الاقتصاد العالمي يعتمد على البُنى الحالية للطاقة، الغذاء، والصحة. أي اختراع يهدد هذه البُنى ليس مجرّد تطور علمي، بل تغيير في قواعد اللعبة. التكنولوجيا ليست فقط ابتكارًا، بل سلطة. والتحكّم فيمن يمتلك تلك السلطة هو صلب الصراع.

وفي الختام، يظل الحديث عن التكنولوجيا المحرمة يضعنا أمام حدود مشوشة بين العلم والسلطة، بين الطموح والخوف، وبين الممكن والممنوع. فمن يملك حق تقرير ما يجب أن يظهر وما يجب أن يُخفى هي فئة صغيرة تتحكم في مصائرنا وفي مصير كوكبنا. وللأسف أصبح التقدم العلمي رهينة مصالح اقتصادية.