(كتب بتاريخ: 25\11\2023)
لم يكن يوما بخير ولم يكن أفضل وليس أفضل الآن، عالمنا مليء بالشر والمعاناة، أو بكلمة بسيطة إنه عالم سيء.
كنت طفلة سبيستونية، من جيل التسعينات الذين تربوا على برامج سبيس تون المليئة بالأمل ومعاني الصداقة، وبكل الجمال البريء الذي نظن أنه هنا، في عالمنا السيء. لماذا أذكر هذه المعلومة؟ لأني جعلتني أرتبط بسوريا. منذ صغري، كنت كثيرة التحليل وأحب معرفة التفاصيل، فعرفت بأن البرامج المقدمة كانت تعد بمركز الزهرة فبحثت عن الممثلين الذين لم أعرف أشكالهم لكن حفظت أصواتهم عن ظهر قلب: فدوى سليمان، بثينة شيا، أمل حويجة، زياد الرفاعي، مروان فرحات وغيرهم… أعرف من كتب كلمات الشارة وكيف يجب أن تغنى، فقد كنت أصحح لأختي الكبرى عندما تغني بالرغم من أنها كانت صاحبة الصوت الجميل، أخبرها أن الكلمة نطقت هكذا ويجب ترقيق أو تفخيم الصوت مثلما حفظتها على قناتي المفضلة، رسمت الشخصيات وكتبت عنها وكتبت عن مؤدي الأصوات. كنت مهووسة، لا زالت مهووسة غير أني غيرت اختصاصي…
عندما بدأ الربيع العربي، كنت مشغولة بالدراسة، بتأقلمي في المدرسة الداخلية بعيدا عن أهلي وأنا الشخص البيتوتي، كنت غارقة في همومي فلم ألتفت إلى ما يحدث وبالخصوص إلى ثورة 15 آذار، الثورة السورية، التي إذا بحث عنها ستجد أن ويكيبيديا أسمتها الأزمة السورية ومواقع أخرى الحرب الأهلية. إنها ثورة، ثورة هزت النظام العالمي وأرتنا نحن كإنسانية منحطة أننا أسوأ المخلوقات على وجه البسيطة، ربما إلهتنا التي خلقتنا أسوأ منا قليلا لأنها أوجدتنا وأوجدت هذه القوانين التي لا ترحم.
لقد كنت أحب سوريا أكثر من بلدي، ولازالت متعلقة بها لكني أكره العقل الجمعي الذي يسوه بين أفراد شعبها. قبل عشرين سنة، كنت أعتقد أنها أفضل من بلدي وربما كانت قليلا، فنحن في معظم ما يسمى بالعالم العربي نتصارع على المراكز الأخيرة بنتائج متقاربة. أحببت سوريا لأن تاريخها غامض، ربما هو التاريخ الأكبر بآثاره، بحضاراته، بيد أنه يجعلنا نطرح مزيدا من الأسئلة.
كيف بدأت أبحث في تاريخها هكذا؟ لأني أردت أن أفهم كيف وصل الأمر بسوريا وشعبها إلى هذا الحال، فبدأت أقرأ وأطالع وأشاهد وأحلل، لأعثر على جواب منطقي، فوجدت نفسي أبحث في التاريخ السحيق، في السياسة، في الدين، في الظروف الاجتماعية والاقتصادية، في كيفية طريقة تفكير ذلك الشعب ثم طريقة تفكيرنا ك(عرب) وأضع هذه بين قوسين، لأنه خلال بحثي فهمت أن سوريا ليست عربية ولا بلدي ومعظم بلدان (العالم العربي). بل دخلت في أسئلة حول الديانات الإبراهيمية لأجد أني كنت مخدوعة عندما كنت مسلمة، -ولازلت أبحث-
لكن… لكن رأيت أيضا بشاعة نظامنا العالمي الذي يسمح بما يحدث في سوريا وغيرها من البلدان غير المحظوظة. نظامنا سافل لأننا سافلون. وللأسف لا نستطيع التوقف هنا، ففي كل تاريخنا المكتوب، هناك جور وقهر ووحشية، أريد أن أقول لا يمكن تخيلها، لكننا لا نحتاج لذلك، فبكل بساطة تستطيع الرجوع إلى شهادات المعتقلين في سجون الأسد. ستقول لي أن هذا يقتصر على مكان، حفنة من الأناس وعلى نظام فاسد. فسأجيب كلا، الأمر ليس بهذه البساطة، نحن قوارض في نظام عالمي فوضوي فاشل، ندعمه بأفكارنا الدينية والاجتماعية، نحن كجماعات أسوأ المخلوقات، كأفراد… كأفراد، هنا يختلف الأمر، كفرد إذا أغلقت أذنيك عن ضجيج هذا النظام الشامل، يمكنك أن تبصر مدى الخلل الذي نعيشه، كجماعة، يتم تربيتنا كقطيع من الماشية، لا يبصر ولا يفقه شيئا.
حبي لسوريا جعلني أكره العالم، وللأسف أن ما يحدث فيها مكرر وسيتم نسخه أيضا، فتاريخنا المكتوب مليء بمثل هذه الفظائع، يضحكني الذين يرون الإحصائيات ويقولون إننا نعيش عصر آمن وباهر، إحصائيات عن نسبة عدد الجوعى مثلا، أقل مما كانت عليه قبل قرون، لأننا أصبحنا 7,9 مليار، إذا أخذنا الأرقام بدل النسبة المئوية فسنجد مئات الملايين مهددين بالجوع والفقر، وهذا عدد لن تجده في قرون سابقة حيث كان العالم يحتوي على بضع مئات ملايين. (فمثلا بعام 1750 كان عدد البشر تقريبا 814 مليون فرد بينما عانى 828 مليون إنسان من الجوع بعام 2021 حسب تقرير السنة نفسها. هل فهمت ما أقصد؟)
إننا مخدوعون، سائرون نحو الهاوية، أجل أنا متشائمة، وسأظل متشائمة إن بقينا نظن أن الله يختبرنا، هذا ليس اختبارا بل إنها جهنم، نصنعها بأيدينا لأننا نرفض أن نر الحقيقة. أحيانا أسمع القرآن يصدح في قاع الدار فيبدو لي تافها. ربما الإيمان ينفع كثيرا من المعذبين، أقرأ عن معتقلين كادوا يفقدون عقولهم لولا إيمانهم بوجود الله، الإيمان مخدر فعال، لن أنكر ذلك، بلسم لكنه ليس دواء.
أجل، بدأت بما يحدث في سوريا وانتهيت إلى أني تركت الإسلام مرورا بأن عالمنا يجب إعادة صنعه من جديد، نحن كمخلوقات بشرية يجب إعادة دمج تركيبتنا من جديد لأنها سيئة منذ البداية. الدين يزيد الطين بلة، سواء كان الإسلام أوالمسيحية أو البوذية أو غيرها… يضحكني صراع اليهود ضد الفلسطينيين، يهجرونهم ويقتلونهم رغم أن الجماعتين متشابهتين. بالتأكيد أنا مع القضية الفلسطينية وضد نظام الصهيوني قلبا وقالبا، أنا معها من مبدأ ما يجب أن يكون، ألا نقتل أناسا ونسرق أرضهم فقط لتحقيق وعد فارغ جاء في كتاب يعتقد أنه مقدس، إلى جانب أن الأغلبية تعرف أن للأمر علاقة في الأجندة الاقتصادية والسياسية لمن يحكمون العالم، ممن يريدون أن يستمر هذا النظام العالمي الفاشل.
إن كنا حقا مخلوقات عاقلة، وأظن أن البطاريق أعقل منا بكثير، لبدأنا حقا في تحطيم أساسات هذا النظام بدء من الدين، لأنه أول حلقة أنشأت حضارة إنسانية غير “إنسانية”، ليس الدين الأول الذي عرفته البشرية أغلب الظن، والذي أعتقد أنه كان حقا يساءل النفس ويبحث عن أصل الوجود، هذا الدين لازال داخل كل واحد منا.
