في لحظة مفصلية من التاريخ، سقطت المرأة… ولم تنهض بعد.
كان ذلك حين أُسقط “حق الأم”، أي حين نُزع من المرأة حقها الأولي والطبيعي في أن يُنسب الطفل إليها. منذ تلك اللحظة، ابتدأ تاريخٌ جديد… تاريخ استعباد المرأة.
كل ما تلا هذه السقطة الكبرى كان امتدادًا لها: الحروب، القوانين الذكورية، الأحكام المسبقة، وحتى الأديان التي صيغت لترسّخ أن الذكر أصل كل شيء، وأن المرأة ظلّ، تابع، أو حتى خطيئة متحركة.

مريم العذراء: محاولة فاشلة لإعادة الاعتبار
قد تبدو قصة مريم العذراء كنقطة نور وسط عتمة التاريخ. امرأة تنجب دون رجل، وابنها يُعظّم كنبي بل كإله في عقائد لاحقة. كانت هذه القصة قادرة على أن تعيد الاعتبار للمبدأ الأمومي، أن تُعلن عودة النسب إلى الأم، إلى الأصل الحقيقي… ولكن كما نقول: انقلب السحر على الساحر.
فبدل أن تكون قصة مريم بوابة لتحرر المرأة، تحوّلت إلى أداة تعميد لموتها الرمزي. أُخذت قدسيتها لتصبح “استثناءً”، لا قاعدة. أُفرغت من رمزيتها الثورية، واستُخدمت لتثبيت صورة المرأة الطاهرة فقط إن كانت “عذراء”، أي منزوعة الجسد، منزوعة الرغبة، منزوعة الإنسان.
قسطنطين: حين تم تشريع العبودية باسم الله
الضربة القاضية جاءت مع قسطنطين، الإمبراطور الذي “أسلم” المسيحية للإمبراطورية، أو “أمْرَك” المسيح. فبدل أن تكون المسيحية طوق نجاة للمهمشين، حوّلتها السلطة إلى أداة تطويع.
منذ مجمع نيقية (325م)، أُحكم إغلاق باب العودة إلى النسب الأمومي. المرأة أصبحت ضلعًا قاصرًا، كائناً ناقصًا، محرومة من الميراث، من القرار، من الألوهية، من الرواية.
إعادة حق الأم: الخطوة الأولى، وربما الوحيدة
كل ما يُقال اليوم عن “المساواة” و”تمكين المرأة” و”حمايتها من العنف”، يبقى مجرد ترميم فوق أنقاض. لن تُشفى الجراح إلا إذا أُعيد الاعتراف بحق الأم، أي أن يُعاد النسب إليها.
فكر في الأمر: من يحمل الجنين؟ من يتشكّل الإنسان في رحمها؟ من تُخاطب قلبه وروحه قبل أن يتعلم الكلام؟ إنها الأم. فلماذا لا يُنسب الطفل إليها؟ أليس هذا قمة الظلم؟ قمة الكذب البيولوجي-الاجتماعي الذي يستبطن كل أشكال الإذلال الأخرى؟
إن كنت تريد وقف النزيف الإنساني — من قتل النساء، اغتصابهن، تهميشهن، تقييدهن — فابدأ من هنا: من إعادة الحق إلى أمهاتنا. كل محاولة أخرى ستدور في حلقة مفرغة.
أخيرًا…
حق الأم ليس فكرة نسوية حديثة، بل هو أصل أصيل طُمِس قسرًا.
هو ليس “أدلجة”، بل “استعادة”.
هو ليس صراعًا مع الرجل، بل تصالحًا مع الإنسان.
لن تقوم للعدالة قائمة، ما لم نُعد الحق لمن خلقنا: الأم.