قيامة عشتار الفصل الأول: المقطع السابع

[«الفصل الأول: المقطع السادس_ قيامة عشتار»]

(POV: زهراء نيسان)

15 أيار II021

صمت يهيم بالمكان حتى علا صوت محرك سيارة تدريجيا في الجو. مسحت الصبية يدها اليمنى المغطاة بالكدمات من أثر اللكمة في ملابسها. لم تكن تفكر بوضوح لحظة تورطها في الشجار فقد أشعل الرجل ذو الشوارب غضبها وقد كانت الحرقة تتآكلها لعدم استطاعتها الاستمرار في العملية، فالأسدي كان له موقف مختلف.

تفحصت الطيات عند الصدر وتهلهل الثوب فوق كتفيها، وجمعت خصلات شعرها المبعثرة تحت القبعة بعناية، اشترتها ببضعة ليرات قبل أن تخرج من المدينة. تلمست المسدس المخبأ عند خصرها وعطلت قفل الأمان، فهي لم تكن تأمن لأي أحد من أتباع الأمير. كان يختبئ مع عناصره من الأمنيين في جحور كالأرانب بعدما استهدفت قوات التحالف مراكز عملياته واحد تلو الآخر.

أشار المقاتل إليها بأن تستقل السيارة وأن تضع قناعا أسودا على رأسها لكيلا تتعرف على الطريق المؤدية إلى مخبأ الأمير. توقفوا في أرض حجرية مهجورة حيث وجدت حسينا ينتظر إلى جانب حارس ملثم واقتادهم نحو كهف حفر حديثا. مضى بهم في مسارات ضيقة أودت بهم إلى فسحة معتمة.

تدلى من السقف مصباح لا يكاد يضيء نصف مساحة المكان، جلس أبو حمزة الأسدي أمام طاولة يلاعب بيده اليمنى خنجرا قديما بقبضة سوداء مرصعة بقطع زجاجية. لاح بيده لأحد حراسه فأتى بأبي سلمان مكبلا يجره ورماه نحوهما. ساعده حسين على النهوض لكن الرجل الضخم بوجهه الدامي أبى ونهض متكئا على قدمه المصابة وابتسم لهما كاشفا عن فقدان أسنانه الأمامية وقد تورمت عينه. قال لسيده في خنوع: «نحن تحت أمرك أيها الأمير»

تمازجت الظلال مع ضوء المصباح البخيل على ملامح الأمير، كان رجلا ذو أنف طويل بأرنبة عالية ولحية وشارب كثين، تفيض الثقة من عينيه الحادتين وبلحظة يحسب الناظر أن كل واحدة منهما تنظر في اتجاه لكن بصره يشيح عنهما فجأة إلى الوشوم الزرقاء المختبئة تحت أكمام عباءته الأفغانية.

قال بنبرة خفيضة وبعربية فصحى لا تشوبها شائبة: «إنه واجبك بأن تحرص على انضباط تابعيك يا أبا سلمان، فقد كنت الساعد الأيمن لأبي يزيد مما يجعلك خليفته في قيادة فصيل الأنصار»

ـــ «بالتأكيد سيدي، أتفهم أن في عملية كهذه يجب أن تتم الموافقة من القيادة العليا وقد تصرفنا بطيش لكنه أثر خيبات الأمل المتتابعة على نفوس الرجال وإن النفس لأمارة بالسوء. فكيف يجتمع الكفار بينهم ويلتحمون في حين نحن نتشتت كالفئران الشاردة؟»

ـــ «تحالفهم هذا يعني أنهم يهابوننا وكل أنظار العالم مصوبة نحونا» كانت كلماته لا تتوافق مع ما يعايشه المقاتلون وأكمل رافعا سبابته نحو الأعلى: «الدولة الإسلامية لن تسقط حتى يلج الجمل من سم الخياط. لن تسقط أبدا والله سيعلي اسمه ولو كره الكافرون»

رد حسين بحماس: «ونحن معك أيها الأمير لذا نرجو أن تمدنا بالقوة اللازمة لتحرير القائد والرفاق، بعد إذنك»

ـــ «إنه أمر مؤسف أن يقع مجاهد عظيم كأبي يزيد في الأسر، وإن كنت قد تمنيت له الشهادة في ساحة المعركة أفضل له بكثير من ذل الأسر»

فتدخلت الصبية: «ما نفعه إن كان ميتا؟ لولا تدخلك لتمكنا من تحرير القائد ومن معه»

ـــ «لقد كبرت أيها…» وتفحصها بعينيه غير المتماثلتين: «أيها الفتى، أرى أن أبا يزيد علمك الكثير لكنه نسي أن يعلمك الانضباط. كانت الأولوية لزعزعة عملاء العلمانية الكفرة الذين يلقبون أنفسهم بجيش التحرير. وبما أن أبا يزيد أصبح في عهدتهم فهذا سبب آخر للقتال»

دور الخنجر على الطاولة مفكرا ثم قال وهو ينقب بأبصاره زوايا الدهليز المظلم: «لديكم كلمتي، سيخرج أبو يزيد ومن معه، فإن لم يكن فستكون أعظم سخرية في التاريخ إن قتل على يد أحبابه» لم تفهم ما قصده بكلامه وقد تجلت نصف ابتسامة على شفتيه المتصلبتين.

قام من مقعده قائلا: «عملية التفجير في السوق الشعبي ما هي إلا البداية، يجب أن نوقف زحف جيش التحرير قبل أن يقوى عوده ويصل إلى مشارف إيبلا ، وهذا واجبكم يا فصيل الأنصار» ونظر لأبي سلمان: «ستقود الفصيل للاستيلاء على معبر حلبا الغربي في حين سيتولى فصيل الإيغور الهجوم على الحاجز العسكري التابع لجيش التحرير» ثم ربت على كتفه: «بالتأكيد بعد أن تستعيد قوتك» فأحنى أبو سلمان رأسه وقد حافظ على ثباته رغم أن الجرح في ساقه أخذ ينزف من جديد.

ـــ «فلتسانده يا حسين» وحرك الأمير أوراقا على سطح اللولب الكبير الفارغ الذي لعب دور طاولة: «قبل هذا علينا التخلص من صورته الإعلانية المنافقة، لهذا يا فتى فسأوكل إليك مهمة يسيرة بإذن الله» وحدق في الصبية: «أريد أن أعرف كل خطوات عملاء الغرب أولئك، من كبيرهم إلى صغيرهم، ماذا يخططون ومن يرعاهم وعلى رأسهم هذه» وثبت صورة امرأة بالخنجر فوق الطاولة.

فأجابته: «هذه ليس مهمة مقاتل» بالأحرى إنه عمل مخبر، مهمة حقيرة لا ترقى لمستواها.

ـــ «بل العكس، التسلل في صفوف العدو أمر في غاية الأهمية. وعندما نزلزل صفوفهم، سيصبح تحرير أبي يزيد وإخوتنا أمرا واقعا»

وأكمل الأمير المزهو بنفسه: «ستكون رسالة مفادها أن أي عميل للغرب، أو ما يدعون أنفسهم بنشطاء وثوار، يخطو داخل حدودنا سينال ما يستحق» وأعطى الإشارة لمعاونه بأن يقودهم إلى الخارج.

******* 

[«الفصل الأول: المقطع الثامن قيامة عشتار»]