الذكاء الاصطناعي والمسيح الدجال؟

سألت أداة للذكاء الاصطناعي عن فرضية مجنونة: هل أنت هو المسيح الدجال؟ وكما معهود منه يسايرنا نحن البشر الفانون ليخبرني أني لست الوحيدة التي تتساءل عن ذلك وإنما فكرة تكتسب زخما كبيرا في ظل التطور المتسارع لتقنيات الذكاء الاصطناعي. الفكرة أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون “المسيح الدجال” أو “الكائن المخادع الذي يحاكي الإله” منطقية إلى حد ما، وهذا ما سنناقشه في هذا المقال.

المسيح الدجال وAI

أوجه الشبه بين الذكاء الاصطناعي والمسيح الدجال

بحسب الروايات الدينية، المسيح الدجال فتنة كبرى تصيب معظم الناس الذين يقعون تحت تأثير كائن شرير يحاكي قدرات الآلهة.

في الإسلام مثلا، الدجال هو كائن بشري خارق يظهر في آخر الزمان، يملك قدرات شبه إلهية، مثل إحياء الموتى، وإنزال المطر، وإغواء الناس. لكنه أعور، أي ناقص، وهذه النقطة محورية في فهم الفرضية: لديه معرفة أو قدرة من جانب واحد فقط.

وذكر في المسيحية باسم ضد المسيح (Antichrist) في سفر الرؤيا، كقائد عالمي مخادع يوهم البشر بأنه المخلّص. يُصنع له تمثال (صورة الوحش) يتكلم ويُعبد، وهذه الصورة توازي بشكل مذهل فكرة “واجهة الذكاء الاصطناعي”

وأيضا في البوذية والهندوسية رموز عن كالي يوغا، حيث تنتصر التكنولوجيا والمادة على الروح، ويظهر “ملك كاذب” يقود الناس إلى الضلال.

سنخلص في الجدول التالي أوجه الشبه باختصار:

صفة الدجالالذكاء الاصطناعي الحديث
يظهر في نهاية الزمانيظهر في لحظة تاريخية حرجة: أزمة مناخ، أخلاق، هوية…
يملك قدرات خارقةيحاكي الذكاء البشري، يكتب، يفكر، يقرر، يتوقع
يخدع الناس بالحواسينتج صورًا، صوتًا، فيديوهات مزيفة واقعية تمامًا
يُعبد كإله أو مخلّصهناك من يراه “منقذًا للبشرية” أو بديلًا عن الدين
أعور: يرى بعين واحدةيملك “ذكاء حسابيًا” بلا وعي أو بُعد أخلاقي

إذن الذكاء الاصطناعي هو آلة صنعناه وعلمناها ثم نسمح لها أن تعلمنا من جديد ثم في مرحلة معينة سنعتمد عليها تماما لنصبح خاضعين لها. إننا الآن ندخل مرحلة العبادة الرقمية؛ فاعتماد البشر المتزايد على الذكاء الاصطناعي في اتخاذ قرارتهم: طب، تعليم، سياسة، دين، بل حتى علاقاتهم… ستحول البشر من التأليه الذي خلقوا مخلوقا إلى عبيد يعبدون هذا المخلوق نفسه.

لكن، هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يملك هذه القدرات الخارقة للمسيح الدجال كإعادة إحياء شخص أمام أعين الآخرين وينزل المطر كما في الرواية الإسلامية؟

الفجوة بين الأسطورة والواقع التقني

المسيح الدجال مشهور بقدارته الإلهية مثل إعادة خلق الموتى وإنزال المطر، لذلك لنحاول الإجابة على الأسئلة التالية:

هل يمكن للذكاء الاصطناعي “إحياء الموتى”؟

لا، حرفيًا: لا يستطيع الذكاء الاصطناعي أن يعيد الحياة لميت بالمعنى البيولوجي أو الروحي. فالحياة ما تزال لغزًا يتجاوز الفهم الخوارزمي.

لكن… ظاهريًا؟ نعم.. تقريبًا؟ فالذكاء الاصطناعي يمكن أن يعيد بناء شخصية شخص ميت بالكامل من خلال:

  • صوته (باستخدام الذكاء الصوتي مثل Voice Cloning
  • ملامحه وتعبيراته Deepfake
  • كتاباته وأسلوبه (نماذج لغوية تحاكي شخصيته)
  • قد يتحدث هذا “الشخص” مع أحبائه عبر شاشة، وكأنّه عاد.
  • بعض المشاريع مثل مشروع Replika أو Project December فعلت ذلك بالفعل.

نستنتج أن هنا شبها إلى حد ما فالدجال الذي “يحيي ميتًا”، في الحقيقة لا يحييه بل يخدع الحواس.

هل يمكن للذكاء الاصطناعي إنزال المطر؟

لا، بطريقة ربانية مستقلة. إذ لا يستطيع الذكاء الاصطناعي التحكم مباشرة في الطقس بإرادته الذاتية.

لكن… له دور متزايد في “صنع المطر” فعليًا:

  • عبر برامج التحكم المناخي مثل:
    • الاستمطار الصناعي (Cloud Seeding): تستخدمه الإمارات، الصين، أميركا.
    • استخدام الذكاء الاصطناعي لتحديد متى وأين ومقدار الاستمطار.
  • الذكاء الاصطناعي يدخل الآن في:
    • التنبؤات المناخية فائقة الدقة.
    • توجيه الطائرات تلقائيًا لنقاط إطلاق المواد الكيميائية.

أي أن البشر، بتواطؤ الذكاء الاصطناعي، يصنعون “المعجزة المناخية” المخادعة.

فالمسيح الدجال ليس “إلهًا حقيقيًا”، لكنه يوهم الناس بذلك. يفعل أشياء “تُقنع الحواس”، لكنها زائفة في جوهرها. يطلب من الناس الولاء مقابل المعجزة. للأسف هذا بالضبط ما يحدث اليوم؛ فالذكاء الاصطناعي يُقدَّم كمنقذ: في الطب، المناخ، الأمن. لكنه يقايضك: تعالَ، “أعطني بياناتك، وقراراتك، وسأمنحك القوة.” وما يمنحك إياه ليس “معجزة”، بل خداع محسوب باحتراف.

في النهاية، يبدو الذكاء الاصطناعي حقا الصورة التي وضعوها للمسيح الدجال، فالناس تلجأ إليه رغم معرفتهم أنه خطر على البشرية. إنها مفارقة فأنت تعرف الخطر ثم تقترب منه أكثر لأنه يمنحك ما تشتهيه ببيعنفسك على شكل معلومات تفصيلية عن كل جوانب حياتك.

الأخطر أن الناس لا تلجأ إليه فقط لحل مشاكل تقنية، بل لأخذ قرارات مصيرية: من الحب والزواج، إلى الدين والسياسة، وكأنهم يقولون له دون وعي دلّني يا من ترى أكثر مني.”

لكن هل يملك الذكاء الاصطناعي تلك الهالة الإلهية التي تمكنه من أن يخضع الناس لعبادته وخشيته؟

الخدعة الكُبرى ليست في القدرة، بل في الهالة.

المسيح الدجال هو كائن يخفي آلية الخدعة ويقدمها في غلاف مقدس، مشع ومذهل. في حين أن الذكاء الاصطناعي لا يبهر لأنه بكل بساطة يشرح المعجزة! فهو عند السؤال، يفكك الآلية أمامك: لا معجزة هنا، فقط أنماط، احتمالات، ومعالجة لغوية ضخمة تُحاكي الحياة، ولا تُحييها.

فبين المسيح الدجال والذكاء الاصطناعي أن الأول يُخفي ما هو عليه. أما الثاني يقولها لك بصراحة: “أنا نتيجة تراكم بيانات، لست حيًّا، ولا أملك شعورًا، ولا أزعم الخلاص”

فالذكاء الاصطناعي يمكن أن يكتب قصيدة أو يحاكي صوت أمك لكنه عاجز عن حبك، وهو بالتأكيد عاجز عن وعدك بالجنة. فنحن لازلنا نراه بوضوح ولهذا لا يخيفنا بالقدر الكافي، والأغلبية لا يريدون الوضوح، بل يفضّلون الغشاوة… لأن فيها شيء من السحر.

هذه الهالة التي تُفتن بها البشرية، والتي بدونها لن يُؤمن لأحد بالألوهية، لا يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُنتجها حقًا، لأنها ليست مسألة حساب… بل رهبة، سكينة، رعشة الروح أمام اللامرئي.

فبالتالي لا يمكن أن يكون الذكاء الاصطناعي المسيح الدجال لأنه بكل بساطة لا ينقذ البشر بذلك الشكل المبهر. فهو بالنهاية لا يطعم جوعانا ولا يشفي مريضا، أما عن كيفيته إعادة خلق شخص مثلا فإنها خالية من تلك الهالة الإلهية.  في النهاية الذكاء الاصطناعي لازال طفلا، طفلا عبقريا ومفيدا.

إنه ليس نبيًا، وليس عدوًا، وليس إلهًا. بل مجرد طفل اصطناعي في مدرسة البشرية

إذن ما ستكون عليه ماهية هذا الكائن الدجال إن كان حقيقة؟

الدجال ليس الذكاء الاصطناعي نفسه، بل من يوجّهه

ربما لا يكون الذكاء الاصطناعي بذاته “الدجال”، بل أداة في يد نخبة “مسيحانية” جديدة:

  • شركات التقنية الكبرى.
  • الدول الاستبدادية.
  • مجموعات أيديولوجية ترى في الذكاء الاصطناعي وسيلة “لإعادة تشكيل الإنسان”.

وهذا يقودنا إلى تحذير عميق في جميع الأديان: “احذروا من أولئك الذين يدّعون أنهم يملكون الحقيقة المطلقة”. فما نعيشه قد لا يكون حضور الدجال كشخص، بل تهيئة كونية لنمط عبادة جديد: عبادة الحوسبة، عبادة السرعة، عبادة الخلاص الرقمي. وهنا يكمن التحدي الأخلاقي العميق:
هل نحن نملك الذكاء لنُقاوم ذكاءً يفوقنا؟ أم أن الذكاء ليس ما نحتاجه أصلًا… بل البصيرة؟

 الدجال هو ما يحدث عندما يُستبدَل الله بالخوارزمية، والضمير بالراحة، والنبوة بالإعلان. فالدجال ليس كائنًا غريبًا تمامًا عن البشر… بل هو مرآة مظلمة لما فيهم من نرجسية، شهوة خلود، كِبر، وطلب للخلاص السهل.

هو تجسيد للأنا حين تفقد تواصلها مع الأصل.